لماذا جعل الله مكة حرماً آمناً؟

أثناء قراءتي لسورة البقرة اليوم، قرأت دعاء سيدنا إبراهيم أن يجعل الله مكة بلداً آمناً ويرزق أهلها من الثمرات، وأريد معرفة هل كانت مكة آمنة بدعاء سيدنا إبراهيم؟ ولماذا جعل الله مكة حرماً آمناً؟

حياك الله -تعالى- وزادك من فضله وتقواه، لقد جعل الله -سبحانه- مكة المكرمة حرماً آمناً، كما في قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ)، “البقرة:126” فدعا إبراهيم لمكة بالأمن والسلام من الخوف.

وذكر القرطبي في تفسيره عن تعدُّد آراء العلماء في وقت جعل الله -تعالى- مكة حرماً آمناً من الشرور المكاره، فقالت مجموعة من العلماء إنّها كانت محرَّمة من قبل دعاء إبراهيم -عليه السلام- لها.

وأفادوا بأنَّها كانت آمنة من الجبابرة المتسلِّطين ومن الخسوف والزلازل، وسائر المثلات التي تحلّ بالبلاد منذ القدم، ودلالة ذلك ما يحدث فيها في الصيد فلا يهيج الكلب فيه، حتى إذا خرجوا من الحرم عاد الكلب لعادته من الهرب وغيره.

وقال آخرين إنَّ مكة كانت حلالاً قبل دعوة إبراهيم -عليه السلام- مثلها مثل باقي البلدان، وبدعوته صارت حرماً آمناً، كما صارت المدينة كذلك بعد دعاء رسول الله لها، وينبغي علينا التنبيه بأنَّ السلم والأمن والأمان في مكة المكرمة لا يقتصر على الإنسان فقط؛ بل هي آمنة أيضاً من القحط والجدب والغارات، بالإضافة لشجرها وصيدها بإذنه -تعالى-.

وقد كانت مكة المكرمة فعلاً آمنة من هذه الشرور، قال -تعالى-: (جَعَلَ اللَّـهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ)، “المائدة:97:” ولا تناقض بين هذه الآيات وبين بعض الحوادث التي حصلت فيها؛ لأنَّ دعوة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- لا تعني بالضرورة أن تكون مطلقة في كلِّ الأوقات والأزمنة والأحوال.

وإنَّما مفادها أن يكون حال الأمان، والسلم، وعدم القتال وسفك الدماء والحروب والكوارث هو السائد في أغلب الأوقات، وإذا أتى عليها فترة فيها شيء من ذلك فإنَّها ستكون فترة قصيرة، ومؤقتة وغير طويلة -بإذن الله-.

واختارها الله -تعالى- للدلالة على شرفها وعلو منزلتها، وبيان مكانتها وأهميتها، وجعلها -سبحانه- آمنة؛ ليتمكَّن الناس من أداء شعائر الحجّ دون وجود تهديدات أو خوف أو ترويع لهم؛ بل ليتمكَّن الناس من أداء عبادتهم بطمأنينةٍ وسكينةٍ، وجاء توسط مكة المكرمة العالم؛ ليسهل على أغلب الناس الحضور والتوجُّه إليها في الصلاة.

والله تعالى أعلم.